ابو عبيد لا يأكل دون جنده
وجاء فروخ وفراوندد إلى أبي عبيد بأنواع الطعام والأخبصة وغيرها، فقال: هل أكرمتم الجند بمثلها؟ فقالوا: لم يتيسر ونحن فاعلون، وكانوا يتربصون قدوم الجالينوس. فقال أبو عبيد: لا حاجة لنا فيه، بئس المرء أبو عبيد إن صحب قوماً من بلادهم استأثر عليهم بشيء، ولا والله لا آكل ما أتيتم به ولا مما أفاء الله إلا مثل ما يأكل أوساطهم. فلما هزم الجالينوس أتوه بالأطعمة أيضاً، فقال: ما آكل هذا دون المسلمين. فقالوا له: ليس من أصحابك أحد إلا وقد أتي بمثل هذا؛ فأكل حينئذٍ.
موقعة الجالينوس
ولما بعث رستم الجالينوس أمره أن يبدأ بنرسي ثم يقاتل أبا عبيد، فبادره أبو عبيد إلى نرسي فهزمه، وجاء الجالينوس فنزل بباقسياثا من باروسما، فسار إليه أبو عبيد، وهو على تعبيته، فالتقوا بها، فهزمهم المسلمون وهرب الجالينوس وغلب أبو عبيد على تلك البلاد، ثم ارتحل حتى قدم الحيرة، وكان عمر قد قال له: إنك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والجبرية، تقدم على قوم تجرئوا على الشر فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه، فانظر كيف تكون، وأحرز لسانك ولا تفشين سرك، فإن صاحب السر ما يضبطه متحصن ولا يؤتى من وجه يكرهه، وإذا ضيعه كان بمضيعة.
موقعة الجسر
عندما وصل الجلينوس الى رستم مهزوما نظر رستم عن اشد العجم على العرب فعرف أنه بهمن جازوية والمشهور بذى الحاجب فأرسله رستم لقتال المسلمين وأرسل معه القائد المنهزم الجالينوس وارسل معه فيلة وعسكر ذى الحاجب على الضفة الشرقية من نهر الفرات
واقبل أبو عبيد رضى الله عنه وعسكر فى مكان استراتيجى ينم عن فكر ودهاء عسكرى حيث عسكر على الجهة الغربية من نهر الفرات جعل الفرات أمام الجيش وفى ظهره الصحراء حتى يجبر الفرس للعبور اليه ويكون النهر فى ظهر الفرس فلا تكون امامهم أى فرصة للهرب ويسهل القضاء عليهم وتكون الصحراء خلف العرب ويكونوا فى فسحة من أمرهم إذا دارة عليهم الدائرة وحتى يتمكنوا من الكر والفر
رسول من ذى الحاجب للقائد ابو عبيد
بعث ذى الحاجب رسولا الى القائد ابو عبيد ومعه رسالة نصها (إما أن تعبر إلينا وندعكم والعبور، وإما أن تدعونا نعبر إليكم)
ابو عبيد لا يأخذ بالمشورة ويخدعه ذى الحاجب
وعندما تلقى أبو عبيد هذه الرسالة اجتمع بقواده وعرض عليهم ماجاء فى رسالة ذى الحاجب
. فنهاه قواده عن العبور وطالبوه الا يتنازل عن موقعه الاستراتيجى لأن ذلك فى مصلحة الجيش الاسلامى وإلا ضاعت كل فرص الكر والفر والمناورة وأن عبور المسلمين سيجعل خلف المسلمين عائق كبير يمنعهم من الكر والفر وهم ليسو ذوى خبرة واسعة بالقتال فى أراضى الفرس
وكانت المفاجأة أن القائد أبو عبيد اخطئ ولم يأخذ بالمشورة ورد رأى قواده وقال: لا يكونوا أجرأ على الموت منا.
وكانت زوجة أبو عبيد قد رأت رؤية أن رجلا نزل من السماء بإناء فيه شراب فشرب منه ابو عبيد وشرب منه جبر وسبعة من أهله كلهم من ثقيف . فلما حكت الرؤيا لأبو عبيد قال : هذه الشهادة
فأوصى بأنه إذا قتلت فالأمير فلان فإن قتل فالأمير فلان حسبما جاء فى رؤية زوجته حتى وصل الى المثنى
بناء الجسر وبدء المعركة
وأمر أبو عبيد احد المعاهدي يسمى أبن صلوبا وهو وعماله ببناء جسر لعبور الجيش عليه (وعبر ابو عبيد إليهم وضاقت الأرض بأهلها واقتتلوا، فلما نظرت الخيول إلى الفيلة والخيل عليها التجافيف رأت شيئاً منكراً لم تكن رأت مثله، فجعل المسلمون إذا حملوا عليهم لم تقدم عليهم خيولهم، وإذا حملت الفرس على المسلمين بالفيلة والجلاجل فرقت خيولهم وكراديسهم ورموهم بالنشاب. واشتد الأمر بالمسلمين، فترجل أبو عبيد والناس ثم مشوا إليهم ثم صافحوهم بالسيوف، فجعلت الفيلة لا تحمل على جماعة إلا دفعتهم، فنادى أبو عبيد: احتوشوا الفيلة واقطعوا بطانها واقلبوا عنها أهلها، ووثب هو على الفيل الأبيض فقطع بطانه ووقع الذين عليه، وفعل القوم مثل ذلك فما تركوا فيلاً إلا حطوا رحله وقتلوا أصحابه. وأهوى الفيل لأبي عبيد فضربه أبو عبيد بالسيف وخبطه الفيل بيده فوقع فوطئه الفيل وقام عليه. فلما بصر به الناس تحت الفيل خشعت أنفس بعضهم، ثم أخذ اللواء الذي كان أمره بعده فقاتل الفيل حتى تنحى عن أبي عبيد، فأخذه المسلمون فأحرزوه، ثم قتل الفيل الأمير الذي بعد أبي عبيد وتتابع سبعة أنفس من ثقيف كلهم يأخذ اللواء ويقاتل حتى يموت، ثم أخذ اللواء المثنى فهرب عنه الناس.)